الاثنين، 27 ديسمبر 2010

فيلم 678 .. الكلام عن قلة الأدب بمنتهى الأدب !

منذ أيام شاهدت فيلم 678 ..

عبقرية .. هي أقل كلمة يمكن أن يوصف بها هذا الفيلم.. وبالطبع العبقري هنا هو الورق.. (القصة والسيناريو) ثم الاخراج .. وهما في الأخير وجهان لعملة واحدة اسمها "محمد دياب" .. الله عليك يا محمد !

محمد دياب السيناريست الشاب الموهوب المبدع الذي عرف طريق النجاح عن طريق احترام عقل وذوق المشاهد العربي الشرقي..
إن 678 بالنسبة لي يفضح كل من يقدم الاسفاف والعري تحت حجة "أنا أقدم للناس الواقع الذي يعيشونه كما هو" !

محمد دياب قدم لنا الواقع الذي نعيشه بمنتهى الوضوح والشفافية دون أن يتجاوز أي خط أحمر.. موضوع في منتى الحساسية قدم بشكل في منتهى الأدب .. قدم لنا بحق عملا فنيا يتكلم عن قلة الأدب بمنتهى الأدب !

في اليوم الذي شاهدت فيه الفيلم لم أكن مخططا لذلك .. كنت في الخارج مع عائلتي وابني البالغ من العمر 7 سنوات.. ونام ابني في السيارة .. وهنا قررت أن أدخل الفيلم .. وقفت حائراً ماذا لو استيقظ حسن في منتصف الفيلم .. لم أفكر طويلاً لأن ثقتي في محمد دياب جعلتني أدخل الفيلم وولدي معي .. لأني أعرف أن هذا الرجل يخاف على ابني مثلما أخاف عليه .. وقد كان بالفعل..

الفيلم كان شاملاً عارضاً لكل وجهات النظر من قبل الضحايا والمذنبين وحتى من يسوقه القدر ليكون طرفاً في الحادثة أو شاهداً عليها ..استعرض الفيلم .. كل الانفعالات سلبية ...إيجابية .. إنيهار... وضعف ...وخجل .. قسوة .. ندم .. خنوع .. إلخ ..

فتح الفيلم ملفاً شائكا وضغط على الجرح الذي ينذف يومياً.. وكم من بيوت يتبدل حالها وتخرب .. وكم من بنات تعيش في ألم لا ينتهي بسبب هذه الحوادث.. !

أخاطب الأهالي بالله عليكم يسيروا على الشباب الزواج ...
أخاطب الحكومة.. وفري للشباب عملاً بدلاً من الفراغ القاتل...
أخاطب الشباب.. عليكم بدينكم ... وبما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم
أخاطب الفتيات.. أنت غالية ... ثمينة ...ماسة على الرأس.. حافظي على نفسك ولا تكوني مطمعاً ..
أخاطب من يعملون بالفن.. بالله عليكم لا تشاركوا في الجريمة .. مش عاوزين نقول على الدنيا "هي فوضى" ..ولا نريد أن نقول أعطونا حلاً فتجيبونا "حين ميسرة" .. !
فيلم 678 أقام الحجة على الكل سواء على المستوى الفني أو على مستوى المشكلة في ذاتها..

رغم أنني لست متخصصاً في الفن .. لكن الفيلم قد يبدو يميل أن يكون فيلماً تسجيلياً إلى حد ما.. لم تكن الحبكة فيه عالية.. وأظن أن المؤلف قد قصد هذا الأمر لأن يعالج مشكلة عامة وليس حادثة بعينها..

اجتمع للفيلم عناصر نجاح أخرى وهي أداء الممثلين الغير مفتعل والذي كان له نصيب كبير في توصيل المعاني والمشكلة للمشاهد...

تحية لكل من يريد أن يرتفع بالذوق العام..
تحية لكل من يريد الحفاظ على أولادنا وأخلاقهم..
تحية لكل من يعرض للمشاهد الجرح دون أن يكشفه ويعرضنا للعدوى..

الفيلم كان يمكن أن يكون مادة سخية لفيلم إباحي من الدرجة الأولى.. لو وقع في يد مخرج آخر..
لكن محمد دياب الذي أصر على إخراج الفيلم بنفسه حتى لا يقع كما نقول تحت ضرس أي مخرج.. أبدعت وأرفع لك القبعة يا محمد تحية وتقديراً..

بارك الله فيك ومن نجاح إلى نجاح...

إمضاء
مشاهد يقدر كل فنان محترم بس !

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

ولم يبق إلا الدعاء إلى الكريم ..

عجباً لأمر هذه الدنيا ..

لم أكن أتخيل أنني سأحضر زفافك مرتين .. وفي المرتين كنت تلبسين ثوباً أبيضاً.. ثمان سنوات مرت منذ أن حضرت الزفة الأولى وأنت تتأبطين ذارع أخي وحبيبي كريم في ليلة عرسكم.. لن أنس السعادة التي كانت تحوم في المكان والفرحة الطفولية التي كان على وجهيكما.. وكيف كان كريم يحملك فرحاً وأنتم تلتقطون الصور.. طلبتم مني في هذه الليلة أن أغني لكما.. وأذكر أنني غنيت أمام الجميع كما لم أغنِ من قبل ..

وأمس.. كانت الزفة الثانية.. أو الأخيرة.. ويالها من زفة.. والغريب أن كريم كان يحملك أيضاً .. وكنت تلبسين الأبيض مرة أخرى.. لكنه كان فرحاً من نوع خاص .. وإن بدا عليه الحزن وكانت فيه الدموع هي الصاحب على وجه كل الحضور.. إلا أنها كانت زفة إلى دار غير الدار .. وأهل خير من الأهل.. وصحبة غير الدنيا.. زفة إلى الرفيق الأعلى.. إلى الله .. سبحانه وتعالى..

كتب الله لي أن أكون في استقبالك وأحمل نعشك منذ لحظة الهبوط للمطار .. البركة كانت تحف المكان من لحظة وصولك وحتى أن واريناكِ التراب.. الاجراءات انتهت في وقت قياسي.. والغريب أننا لم نفعل شيئاً.. لقد سخر الله لنا أناساً ليقوموا بكل شيء.. وصلنا المسجد قبل الجميع.. ساعات مرت قبل أن يبدأ المصلون التهافت على المسجد لصلاة الجمعة.. العشرات ثم المئات.. ثم الآلاف..
عندما خرجت من المسجد بعد الصلاة.. وجدت الجميع.. الكل جاء ليصل عليك.. كانت الدموع في عيون الكل.. البعض لا يصدق.. البعض حزينٌ وينتحب.. البعض هادئُ ومبتسمُ وراض.. لكن الشاهد أن الجميع جاءوا للصلاة عليك..

كنت تحبين الخير يا دعاء.. فأرسل الله إليك آلافاً يصلون عليك.. ويبكونك ويدعون لك بالخير.. ومنهم من أتى فقط على سيرتك ولما يقوله الناس عنك.. طوبى لك.. ونحتسبك عند الله من الفائزين..

شاء المولى أن أصحبك حتى مقامك الأخير بناء على طلب زوجك ..أخي كريم.. ومرة أخرى يُكتب لي أن أنزل القبر حياً.. ربما هذه هي المرة السادسة أو السابعة في حياتي.. لست أدري لماذا دائماً يكتب لي أن أدفن الناس .. ربما يريد الله لي التذكرة.. الثواب .. التجربة .. لا أدري.. لكن الشعور أنك ستنزل يوماً في هذا المكان يجعلك ترى الدنيا بحجمها الحقيقي.. دنيا .. شيء دني.. ويجعلك تفكر في كل من تحب في لحظة واحدة.. كيف ستتركهم.. ويجعلك تدعو الله بالجنة والرحمة والمغفرة.. وأن يتول سبحانه من تحب من بعدك..

لقد كان المكان على رغم وحشته.. هادئاً.. وكان الأمر على الرغم من جلله فيه سكينة.. وضعك كريم في هدوء بجانب جدته وعمته.. ودعونا لك .. ارقدي في سلام يا أختاه ..

القبر.. بيتك المتوسط بين الدنيا والآخرة.. ظلام.. وحشة.. بضعة أمتار في أمتار .. لايرقد جنبك إلا من سبقك من الأموات..نعم الناس تقف على قبرك.. تبكي.. تدعو .. ترجو الله لك بالعفو والمغفرة.. لكنها في الأخير تمضي لحالها.. ربما يحزنون بعض الوقت.. لكنهم يعودون إلى دنياهم .. وتبق أنت في القبر.. وحيداً.. في حياتك البرزخية.. تتمنى ولو ساعة من نهار في الدنيا لتعود لتذكر الله للحظة ..أو أن تسجد له سجدة واحدة..

لن أكون كئيباً فعندنا رب اسمه الكريم .. ويقول ابن عطاء الله السكندري .. " لا يَعْظُمِ الذَنْبُ عِنْدَكَ عَظَمَةً تَصُدُّكَ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ تَعالى، فإنَّ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اسْتَصْغَرَ في جَنْبِ كَرَمِهِ ذَنْبَهُ."  فبفضل الله وحده.. سيكون القبر نوراً.. أنساً.. متسعاً.. سيكون روضة من رياض الجنة.. سنكون فيه بإذن الله قائلين كما قال مؤمن آل فرعون "يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ" ..ونزيد  " هاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ* إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*  قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* " وسينادى علينا بإذن الله.."كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ" وأيضاً "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين".. ونقول "الحمدلله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين" ..

دعاء.. يا أختاه.. لقد سبقتينا إليه سبحانه.. ونحن لاحقون بك خلال أيام .. نعم فهي في الأخير أياماً وإن صارت سنيناً.. ندعو الله أن يلحقنا بك على خير.. وأن يرزقنا وإياك الفردوس الأعلى كما كنت تطلبين منه وتدعينه دوماً..

على لقاء قريب يازوجة أخي .. يا أم بلال..