الاثنين، 28 ديسمبر 2009

رأيت الخرطوم



السلام عليكم يا زول..
وتربيتة حانية على الصدر ناحية القلب باليد اليمنى قبل السلام الحار باليد.. وأظن أن هذه التربيتة لها مغزى أن تكون ناحية القلب وكأنها نوع من الحنان المتبادل بين القلوب.. -مما لا شك فيه أن التلامس يزيد التواصل بين الناس-..

هكذا يبدأ الأحباء السودانيون السلام والتحية..
لأول مرة تطأ قدمي أرض السودان.. وبالتحديد العاصمة.. الخرطوم.. 
وصلت لأرض مطار الخرطوم البسيط قبل آذان الفجر بساعة أو أقل.. الناس يتحركون في هدوء.. وأول ما لفت نظري بعض الموظفين يمشون بين الركاب المنتظرين في طابور الجوازات.. ولقد أسعدني وأثلج صدري أن وجدتهم يعاملون العجائز والأمهات اللاتي يحملن أطفالاً في رفق ولين.. بل ويمررون العجائز في أول الصف حتى لا ينتظرون مدة طويلة.. والأمهات يجلسن حتى يأتي دورهن دون الحاجة للانتظار في الصف.. أخلاق إسلام حقيقي ورحمة.. بارك الله فيكم يا أبناء السودان..
شيء آخر لفت نظري وأشعرني بالخير.. المسبحة في أيدي الكثير.. ولاحظت ذلك حتى منذ أن ركبت الطائرة من القاهرة.. ما أحلى أن تعيش حول من يذكرون الله كثيراً..
ما أن خرجت خارج المطار حتى شعرت بالراحة والهدوء والمحبة في عيون كل من أراهم.. والابتسامة السمحة تعلو الوجوه السمراء الطيبة.. درجة الحرارة في فصل الشتاء تزيد عن الـ30 درجة!!! وكنت قبل ساعات في بريطانيا والحرارة تحت الصفرببضع درجات والثلج يتساقط.. شعرت فعلاً كما يقولون بشعور "البسترة" ! :)) فارق يزيد عن 30 درجة في أقل من 10 ساعات..
سبحانك.. هذا شتاء وذاك شتاء..

الخرطوم.. مدينة هادئة.. معظم مبانيها لا تتعدى الدورين أو الثلاثة على الأكثر تميل للبساطة في المعمار.. غير أن هناك بعض المباني الكبيرة منذ عهد الاستعمار يغلب عليها الطابع الانجليزي والفخامة  إلا أنها قديمة.. ومعظمها دوائر أو مصالح حكومية..وفي وسط كل هذه البساطة يقبع مبناً كبيراً يشبه إلى حد كبير برج العرب في دبي..! ماهذا المبنى؟؟
اقترتب منه وسألت الجالسين وعلمت أنه فندق.. واسمه "برج الفاتح".. تساءلت في نفسي..لماذا هذا الاسم وهل لهذا المبنى علاقة بليبيا وثورتها؟ وبالفعل اتضح أنه فندق ملك للرئيس الليبي معمر القذافي.. تحفة معمارية بكل المقايس ومستوى الفندق يباري أكبر الفنادق في دبي والوطن العربي..


بالقرب من برج الفاتح وقفت أتأمل النيل.. ما أجمله.. ذلك الشريان الذي يسري في عروق البلدين.. السودان ومصر..غير أن النيل في السودان أكثر اتساعاً وجمالا.. والخضرة حوله تحكي عن نفسها وتقول.. أنا جمال النيل الساحر وروعة الخضرة فمن يباريني.. تذكرت حينها عبدالحليم وهو يشدو "ياتبر سايل بين شطين يا حلو يا اسمر.. لولا سمارك جوا العين ماكت تنور.. يا حلو يا اسمر.. "


لا أستطيع أن أخفي أن أهل السودان طيبين إلا حد بعيد ويتميزون بأدب جم، وابتسامة حانية  تملء وجوههم في كل وقت..
لكن في نفس الوقت الناس في حالة من قلة الحركة بعض الشيء.. أظن أن الأمر يتعلق بدرجة الحرارة العالية والتي تجعل من الحركة والنشاط أمرا ليس باليسير...


السودان فيها من الخير الكثير.. حجم الرقعة الزراعية يجعل منها منجما للطعام يكفي العالم.. وأظن إن استطاعت السودان أن تزرع كل هذه الملايين من الفدادين فحتما سيملك لوطن العربي قوته وبالتالي ستتغير موازين القوى في العالم وسيكون قوة لا يستهان بها.
بالأمس القريب زرت الجزائر وفتنت بها وها أنا أزور الخرطوم وأيضا أرى فيها الخير الكثير الكثير.. فمالنا ضعاف ولا نستطيع أن نقوم كما تقوم الأمم..
ألم يأن لنا أن نقف ونقود الدنيا كما كنا..
ألم يأن لنا أن ننشد مرة أخرى .. ملكنا هذه الدنيا قرونا.. وأخضعها جدود خالدون.. وسطرنا صحائف من ضياء.. فما نسي الزمان ولا نسينا..





الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

وفاز الإعلام في معركة جديدة !!




لست بصدد أن أتكلم عما حدث بين دولتين .. مسلمتين .. عربيتين .. بينهما تاريخ يكتب في صفحات لا تعد .. لن أتكلم عن الدم والأخوة والمصاهرة والمحبة.. فلن تكفي كلماتي .. ولست أملك ما يملكه المؤرخون بهذا الصدد.. لكني سأكتب عن معركة جديدة كسبها الإعلام .. نعم بكل أسف.. لقد فاز الإعلام مرة أخرى بعد سلسلة من المعارك كان الغلبة فيها من نصيبه ..


مساكين تلك الشعوب البسطاء والعامة الذين يقرأون الجرائد أويشاهدون التلفاز أويتصفحون الإنترنت ويستمعون للراديو.. ثم فجأة.. يهبون شاهرين ألسنتهم -وأشياء أخرى أحياناً- ويتفاعلون ويكسرون ويسبون ويجرحون ويخسرون.. كل هذا لأنهم سمعوا و قرأوا...لكنهم لم يتيقنوا.. ما حدث في الفترة الماضية أقر شيئين بوضوح .. 1- نسبة العلقاء في الدنيا لا تتعدى الواحد في المائة على أقصى تقدير!
2- الإعلام يفوز مرة تلو المرة والضاحيا هم.. نحن الشعوب ..


ولكن وهل فاز الإعلام من قبل؟؟


نعم فاز في معارك كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر.. "حب البنوك" .. لقد أصبح العامة منذ زمن يحبون البنوك ويطمئنون لها وكأنها والعياذ بالله من يرزق ! ..
حادثني صديق لي منذ فترة، وهو مهندس يتاجر في مكيفات الهواء ولديه مستثمرون يتاجرون بأموالهم معه منذ سنين والحمدلله، التجارة فيها بركة، فهو ممن يتقون الله ويعلم كيف يتاجر ويكسب قلوب الناس.. ولقد اعتداد أن يعطيهم في كل عام أرباحاً تتراواح ما بين 17 إلى 18 % وهذا هو حال السوق في هذه التجارة في العموم ولأن هذه السنة سنة فيها كساد وقد أصابت الأزمة المالية العالمية كل البلاد وخيمت بظلالها أخيراً على مصر المحروسة .. فقد جاءت الأرباح هذا العام ربما 13% أو يزيد، وهنا هب المستثمرون وطالبوا بسحب أموالهم.. !!! دون مبرر .. يا عالم الرجل يتاجر وهذا حال السوق والعالم بأسره.. لكن لأن الناس تربوا على ثقافة البنوك وحبها الذي يعطي نسبة ثابته لا تتغير..نسي أولائك قانون التجارة.. وهو المكسب والخسارة والربح المتغير والمخاطرة.. تعجبت من فعلة المستثمرين وسألني صديقي حائراً لقد ربحنا هذا العام وإن كان الربح أقل فماذا لو كان الأمر أننا قد خسرنا؟؟ قلت له ببساطة.. كانوا سيتهمونك بالتبديد ويتشاجرون وربما يقاضونك !!
وهذه معركة فاز فيها الإعلام بأن باع للناس حب البنوك والناس من طمعهم وقلة توكلهم اشتروا هذا الحب وهم مغمضو العين والآن بعد الآزمة العالمية التي تسببت فيها البنوك أرى البنك وقد وقف ساخراً يقول "فلا تلوموني ولوموا أنفسكم" ..


رجوعاً لما حدث بين مصر "أم الدينا" والجزائر "بلد المليون ونصف شهيد" -تصحيحاً للمعلومة عدد الشهداء أكثر من 6 ملايين في 132 سنة من مقاومة الاحتلال- .. حقيقة حاولت الابتعاد عن الفتنة قدر المستطاع.. فلقد أصبت بالغثيان مع أول خبر قرأته، ولقد يسر الله لي أن أكون في بريطاينا طوال الفتنة فلم أتأذى كثيراً..وقفت من بعيد أراقب ماذا يحدث ووجدت أن البطل الحقيقي والفائز والمترشح الأحق لكأس العالم هو الإعلام ..حيث أنه أيضا يلعب الكرة ومحترف لكنه يلعبها بعقول الناس وقلبوهم  ومشاعرهم... أرفع القبعة وأحييك يا إعلام.. لقد نافست بلييه وماردونا ورونالدنهو وأبو تريكه .. سأمنحك الكأس.. لكن اسمح لي أن أملء الكأس بالقاذورات والعفن قبل أن تحصل عليه..!


مهما كان الأمر وماهو السبب وراء هذه الحملة ..سواء كان سياسي .. اقتصادي .. هوائي .. غازي.. موبايلي.. استثماري.. ليس هناك فارق... لكن الإعلام نجح أن ينفث سمه بل وأن يحث الشباب أن يقوم بحملة توعية ضد "همجية الجزائر" و"السخرية من مصر" !! .. طاقات لا حصر لها على الإنترنت في المنتديات واليوتيوب والفيس بوك وغيره.. تصميمات.. فيديو كليب.. أغاني.. أشعار .. كاريكاتوات .. نداوات .. ياااااااااااااه .. اللهم لا حسد ... كل هذا!!
بالله عليكم لم أر هذا التفاعل مع غزة ولا العراق ولا فلسطين ولا حتى رغيف العيش ولا حتى في نخوة الرجل مع امرأته !..كل ما ذكرت الآن إنما هي معارك فاز فيها الإعلام أيضا قبل وقت ليس بالبعيد .. فجعل من هؤلاء الشباب عجائز.. مرضى.. تجاه القضايا الحقيقة .. لكنه عندما يريد .. فهو يشحن ويعبء ويساند قضايا سخيفة.. تخدم ببساطة القائمين عليه داهسا بأقدامه الغالي والرخيص.. فالمبدأ هنا هو ميكافيللي بحت "الغاية تبرر الوسيلة"...
هل تحبون أن أسرد لكم بعض الترهات التي صاحبت هذه الفتنة الإعلامية:



الممثلون المصريون كل منهم نصب نفسه زعيماً مدافعاً عن الشعب المصري وكرامته.. وبيان هنا وشجب هناك.. فلان أعاد الجائزة التي فاز بها في وهران - وهي المدينة الثانية في الجزائر- وأخرى صاحبة شركة توزيع كبرى تقاطع المهرجان وتوقف تسويق أفلامها في الجزائر..!


مغني يظهر على التليفزيون يقول أنه يصارع الموت.. وقد ظهر دون أي خدش !.. أكاذيب في جريدة جزائرية يومياً.. ومن يفقه ويلقي بنظره يجد بجانب الأخبار الكاذبة خبراً كبيراً كيف أن الجريدة باعت 2 مليون نسخة .. - هذا هو بيت القصيد- باعت بكم حتى وإن كان الضحايا أبرياء وبيوت من الشعبين..


وأسمع هنا مصرين يضربون شاباً عندما عرفوا أنه جزائري .. وشاب جزائري بعث لي يسبني بعد أن قرأ أكذوبة أن شباباً من بلده ماتوا شهداء في معركة استاد القاهرة وأرسل لي قائلا يهزأ: وتقولون"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنيين" ! 
شباب من الجزائر يحرقون ويكسرون مقار أعمال لمصرين في العاصمة الجزائر.. مهزلة..
والحكومتين صامتتين، واستدعاء كل يومين للسفير الجزائري بالقاهرة، وأخيراً علمت أن السلطات في مطار القاهرة تضايق كل جزائري يصل لمصر، ومنذ أيام وصلني خبر تجميد العلاقات مع مصر من قبل الجزائر ! وحسرتاه..
مئات القصص والحكايات..


الاعلام المصري كان له النصيب الأكبر.. فنحن كمصريين بلا جدال أستاذة الإعلام.. كان يمكن أن نضع القضية في حجمها لكن يبدو أن الحاجة إلى الإعلانات على البرامج كانت أولى خصوصاً وأن الحالة الاقتصادية متدهورة !! .. الأمر كله مصالح .. وقد نجح الإعلام أن يجعل الناس ينسون لمدة شهر كامل أو يزيد كل شيء.. حتى فقرهم ورغيف عيشهم .. وصارت الشعارات.. الكرامة.. العزة.. وهل العزة والكرامة كلام أم أفعال يا سادة؟؟ أي كرامة تتحدث عنها وبعض منك مغتصب.. أي عزة تريدها ورؤسنا في التراب..



فلتبق يا أقصى في أيد الصهاينة.. ولتبق يا فلسطين في أيدي إسرائيل.. فهم أولى بك وسيحافظون عليك ... فأولادك لن يحافظوا عليك.. لقد خاضوا معركة بسيطة مع الاعلام منذ أيام .. وفاز فيها الاعلام وفرق وباعد بين الخوة والأشقاء.. بالله عليكم كيف تقوم لنا قائمة..


رغم حالة الغضب التي تغمرني .. فأنا على ثقة بأن الأمر سيتغير يوماً .. ربنا يراه أحفادي أو أولادهم .. لكن العزة والكرامة الحقيقة ستأتي يوماً مهما طال الوقت.. وسأعمل جاهداً أن أحاول حتى نلقى الله قائلين "معذرة إلي ربنا" ..