الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

شعيرات بيضاء

عيناي ما تزال تقاوم النوم .. أتثاءب .. لم أعد أستطيع النوم لساعات طويلة .. وتخرج من صدري تنهيدة .. آآآه .. وأقول في نفسي: "لا أريد أن أقوم من السرير"! .. إنه آذان الفجر.. وبالطبع من هاتفي .. فليس من آذان يُرفع في برمنجهام :) ... هممت بأن أتوضأ .. نظرت في المرآة .. ما هذا؟! ..(موسيقى تصويرية متوترة) لقد بدأ الشيب يزحف ويهاجمني .. شُعيرات بيضاء بدأت تتزاحم في جنبات رأسي .. يبدو وأنني كبرت :) .. ثم تذكرت في لحظات .. أمر تلك الشعيرات .. هذه الشعرة البيضاء هي يوم وجع قلبي من حبي الأول .. وتلك حين فقدت عزيزاً لدي فجأه حين اختاره الله إلى جواره .. وأخرى حين سافر أبي وأنا صغير .. وتلك حزني على ذنب ارتكبته .. وهذه حين مرض ابني حين ولادته فلم أفرح بقدومه .. وهذه أيضاً عند حادثة كبيرة لشخص أحبه .. وهذه .. وهذه .. وتلك ... مهلاً .. مهلاً ... هي في الأخير شُعيراتٌ صغيراتٌ قليلاتٌ وسط السواد .. هي اختبارات وابتلاءات بسيطة مقارنة بحجم النعم والخير الذي أكرمني به الله .. ولو بدأت أعد الشعرات السود وأُحصي النِّعم .. لما واستطعت ولا انتهيت في خاطرتي هذه ولو بعد سنين .. نعم .. والله إني لأخجل من أن أفتح فمي وينطق لساني بالشكوى ! ..
إن ما يحدث في سورية .. وبورما .. والعراق .. وإفريقية وغيرها من بقاع الأرض والكوارث التي يعاني منها البشر .. تجعلك تَشيب بالكامل في لحظات !! .. وتذكرك بأنك في الأغلب من ١٪ في العالم الذي لا يُعاني ويعتبر من أغنياء الدنيا .. أنت مستور الجسد .. ومفعم بالصحة .. وتنعم بالأمن وتحتويك جدران بيت وسقف .. ألست ممن صح فيهم كلام المصطفى في الحديث الصحيح: ((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) رواه الترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد[1].
يبقى أتلم بقى وأبتسم وأفرح وأهم شيء أن أشكر وأحمد من خلقني على نعمائه .. 
كل منا لديه في حياته تلك الشُعيرات البيضاء في سواد رأسه وإن اختلفت أشكالها .. من طلاق أو ضائقة مالية أو فراق أو مرض أو فقد عزيز أو معاناة في العمل أو تعب في تفاصيل الحياة اليومية .. أو .. أو .. لكنها في الأخير ما هي إلا شُعيرات شابت وسط السواد .. 
صباحكم رضا وقناعة وشكر وحمد للحكيم الخبير .. 
برمنجهام – 26 سبتمبر 2012